حين يتساوى الصمت بالكلمات ويتساوى الموت بالحياة أتساوى أنا بك … حين تهطل أمطاري تهطل الذاكرة بك أكفكف دموعي لكن الأمطار لا تكف عن الانهمار تصر أن تبلل كل شيء فأشعر بالبرد وأشرع في التعري شيئا فشيئا وفي التبرؤ دفعة واحدة من كل شيء طالما غطيت به جراحي ولم أشعر أبدا بالدفء…
مرة واحدة شعرت بالدفء حينها عرفت أني طوال رحلة بحثي لم أشعر سوى بالصقيع… مرة واحدة حين تفيأت بفيء عينيك…واحة مجهولة بعيدة ألقت عليها شمس الأصيل آخر ظلالها… شمس غاربة لا تغيب أبدا تتمسك بأهداب الأفق لا تريد أن ترحل ولا تريد أن تبقى تتردد بشيء من الحياء والحسرة والكبرياء والحزن الخفي.
حين رنوت إلى عينيك أول مرة وجدت نفسي وأضعتها في نفس اللحظة وحين نظرت إليهما في المرة الثانية عرفت أني سأتوه في متاهاتهما إلى الأبد وأني لن أخرج منهما إلا بقلب عاشق أو بجثة امرأة! لم يكن هناك حل ثالث فقد كنتُ أقل تواضعا من أن أقنع بأقل من ذلك وكنتَ أكثر غرورا من أن ترتضي لي غير ذلك…
كانت حياتي قبلك مسرحا للعرائس … دمى كثيرة ذات ملامح غير واضحة وكلمات غير مفهومة وكنت أنا عروسا خشبية بلا روح أوهمتها الخرق الملونة التي ألبسوها إياها أنها تتكلم وتنفعل وتمادت في وهمها حتى ظنت أنها تحيا وتحس تحب وتكره تحزن وتفرح…
الآن بعد أن أحببتك أحس أنني أتحول من جديد شيئا فشيئا إلى دمية خشبية لكن الأولى رغم سوء حظها كانت أحسن من الثانية ورغم تعاستها كانت أقل حزنا منها… الأولى كانت سعيدة باقتناعها بوهم الحياة والثانية أصبحت تعيسة باكتشافها حقيقة الموت… ولأن الوهم لا يتساوى أبدا بالحقيقة ولا تتساوى الحياة أبدا بالموت لا أتساوى أبدا بك !!!!
فجأة عادت العروس الخشبية إلى الحياة ! عادت بكل حماقة إلى عاداتها القديمة عادت تفكر تشتاق تنتظر وتحب...
العروس الخشبية عادت إليها الحياة بكل مرارتها وأحلامها بكل غرابتها وجمالها !
العروس الخشبية عادت إليها الحياة فلم عدت ؟ لماذا تعود متأخرا وقد رحلت مبكرا لماذا عدت حين توقفت عن انتظارك وحنطت كل ذكرياتي وأشيائي الصغيرة !!
حنطتُ ذاتي فعدتَ تحمل إلي كل أحلامي التي دفنتها كل أمالي التي تخليت عنها عدت تحمل إلي طفولتي التي ضاعت وابتسامتي التي ماتت…
تعود هكذا بحضورك الدافئ بعيونك الحبيبة بنظرتك الغائبة بثرثرتك التي تفضح صمتك وتفضح كل تلك الأشياء التي لا تريد أن تقولها فتحتمي بكلمات بلا معنى لتؤجل خروجها ! أمازال في العمر متسع للتأجيل ؟ أم لأنه لم يعد في العمر متسع للتأجيل ولا للفرح ولا للألم شرعت مثلي في سلسلة من التنازلات عن أشياء نقنع أنفسنا أننا نستطيع على أية حال العيش من دونها كما عشنا دائما وكما علينا أن نعيش منذ الآن !!
أشياء صغيرة تغير كل شيء في حياتنا تجعل الشمس أكثر دفئا والأحلام أكثر تألقا وتمنح القلب مناعة ضد الضجر من الحياة… لكن الأشياء الأصغر والأبسط هي الأصعب ! هكذا علمني حبك !!!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق